26‏/07‏/2012

التقدم المستورد

مثل كل الحوادث اليوميه التى لا اول لها ولا اخر , اصطدمت سياره بسيده على اول شارعنا وكنت واقفا بجوارها فتوقفت السياره وهرعت الى السيده اساعدها حتى تعود الى طريقها , وكان قد نزل السائق ليعتذر ويطمأن ان كانت السيده بخير او يذهب بها الى المستشفى , ولكنه لم يكمل كلامه لنجد النساء من النوافذ والاطفال المتناثرون فى الشارع والكبير والصغير يلقونه بالسباب القليل منه والكثير , والشباب منهم الفتى والضعيف صاحب اللحيه او الشارب والشيخ الكبير والنساء المارين كلهم تجمعوا على الرجل حتى حطموا انفه وصارت السياره بلا نوافذ ولا ابواب , ووسط كل هذه الضوضاء والهمجيه الشنعاء التى تنم على مدى التقدم الانسانى والحضاره المتمثله فى الملابس المستورده واجهزه المحمول المستورده والسيارات المستورده واجهزه الكومبيوتر المستورده والتلفزيونات المستورده , حتى المتدينين فى ايديهم المسواك المستورد والمسبحه المستورده والعطور المستورده ودهان اللحى المستورد , وسط هذا التقدم رأيت السيده التى اصابتها السياره خطأا تحاول الدفاع عن السائق الذى لم تعد له وظيفه فإنى موقن انه ربما قد فقعت عينه او تهشمت ذراعيه وفى اخف الاحوال فلم تعد لديه سياره ليقودها , فليبحث له عن وظيفه اخرى كشحاذ اعمى على ابواب المساجد او مهلهل الملابس فى اشارات المرور , وفى سبيل الحقيقه ولا شئ غير الحقيقه بذلت السيده جهدا لم احتمله انا وسط هذا العدد الذى اخرج كبتا لا اعرف مصدره على رجل أكاد اقسم ان نصفهم لا يعرفونه ولا يعرفون الامر , ولو ان الرجل صدمها وهرب لما تلقى سوى كلمه من احد المارين وانتهى الامر ولكن عيبه ضميره الذى اوقفه ليقدم المساعده اذا احتاج اليها احد .
ظل العراك مستمرا حتى سقطت السيده التى من المفترض ان يكون الامر لسببها ولم تسلم من ايديهم وسبابهم وظن بعضهم انها زوجته او قريبته , وبعد ساعه من اشتداد الازمه وانفلات الامر انطفأت الغريزه الحيوانيه وعاد العقل الى العمل , انفض الناس دون مودع او سائل ورأيت وسطهم رجلا وامرأه غطى وجوههم الدم , اقتربت منهم وانا لا اعلم مدى اصابتهم فقدم شيخا من خلفى ولحيته ملطخه بالدم ويلهث من فرط التعب ليسألنى : هل أمسكتم بهما فى السياره معا ؟ .. لم اجبه ولم استطع ان انظر اليه ... احتقارى لأسوأ رجال العالم تجمع فى هذا الشخص وودت ان الكمه فأحطم رأسه او اقطع لسانه فيريح الناس من عبثه .
ساعدنى شيخ كبير وصديق لى فى حمل السائق والسياده وذهبنا بهم الى بيت الشيخ حتى تأتى سياره وتنقلهم الى المستشفى , حاولت ايقاف الدم المنساب من رأسه ومن انفها ولكن قدر استطاعتى , وفى السياره طلبت بالالحاح من السائق أن يسرع فأجاب بقوله " السياره صينى على قدها وقطع غيارها مش موجوده , وهى كده على اخر سرعتها " ... كاد ينفلت زمام الغضب منى ولو ان اصحاب الهمم ممن وصفهم الماره بالشهامه الذين يحافظون على اعراض الناس قد انشغلوا بغير البحث عن القيود كى يقيدوا انفسهم بها لما وجدنا السياره الصينى التى ليس لها قطع غيار .
لن اسرد ما حدث فى المستشفى حفظا لماء وجوه الاطباء الذين انتمى لهم  , ولن احكى ما رأيت من تجهزات المستشفى التى لا وجود لها , ولن اخبركم عن مدى التقدم الحضارى والانسانى والاخلاقى الذى وجدته عند طاقم التمريض , ولا يسعنى ان اقول ما عانيته من اجراءات روتينيه لتقدم الينا الخدمات الطبيه , ولكنى استطيع فقط ان اطمئنكم ان السائق والسيده ما زالوا احياء .

19‏/07‏/2012

عقل الغاب

صدى بكائه كان يدوى وسط الصحراء الواسعه التى لا ترى ابعادها , طفل بلغ عامه الاول ولا نعرف كيف وصل الى هذا المكان , هل تركه ابواه ؟ ام هما من القوا به الى هذه الصحراء ؟ ام انه لعب بعيدا عن اجتماعهم حتى تاه منهم ؟ , لا يشغل الطفل الباكى كل هذا سوى انه لسعه الحر وجفف حلقه العطش واعتصر امعائه الجوع , إلا انه تقلب فى الرمال وخطا بخطواته البطيئه الضعيفه المتقطعه حتى آنسه ظل شجره متراميه وسط الرمال كان قد نسيها غبار العواصف القاتله فخفت حده الجو وشعر بنسيم يجيئ بين الحينه والاخرى , سكت عن بكائه وتقلب تحت الشجره يستشعر بروده الرمال لتخفف من سخونه جسده وتعلق بفروعها المتدليه فشعر بطراوه جعلته يمتصها ويبتلع ما تعلق بأسنانه التى لم يظهر منها سوى زوج سفلى , تحول بكائه لضحك واختفت دموعه واحس بالشبع وبدأت الشمس بالهبوط من عنان السماء والليل يفرش سرابله على اوطاد الارض  وغشيه النوم حتى ايقظه نور الصباح , لم يبرح مكانه ولا يفعل فى يومه الا اللعب بفروعها واوراقها الجافه سوى من قليل الماء الذى يمصه  , ثم انتقل الى مجموعه اشجار متلاحمه كان قد رآها على مرمى بصره فكفيته امتصاص اوراقها واكله وكان قد كبر حجمه وزاد طوله , ظل ينتقل من شجره الى اخرى حتى اهتدى الى منطقه فاصله بين الصحراء والخضره وتنوعت انواع الوريقات التى يأكلها ولكنه لا يمس الزهور لجماهلها ويحوطها بقطع خشبيه تمنع اقدام الحيوانات من دهسها , ورأى  من الحيوانات كلبا آنسه وعاش معه ورعاه , وقسم الارض لاجزاء بالتساوى واهتدى الى زرع بزور النباتات التى كان يأكل منها , ورغم ان الزرع ذو الوريقات العريضه كان احبها اليه الا انه لم يزد فى زراعته عن غيره من الزروع , يهبط المطر فيجمع ماءه فى حفر يشرب منها ويسقى زرعه , حتى قل المطر وجف الزرع فانتقل الى ارض اخرى بعيده بقرب نهر كان وجده فى طريقه , ولم يكد صفوه يهدأ الا حطم الصمت اصوات مزعجه تزلزل الارض من بعيد فاستطلع الامر ليجد الماكينات والعمال يحطمون الاشجار ويدهسون الزهور ويتعالون فى البنايات دخل فى اوساطهم حتى وجد نفسه فى وسط المدينه الصاخبه التى لم يراها من قبل , والبشر اشباهه الذين لم يذكرهم , سيارات تسير هنا وهناك واطفال يلهون ويلعبون ونساء لم تسبق له ان عرف بوجودهم , حياه غير حياته ولكنهم يتحدثون لغته , جلس على سور حديدى يجوب حوله الناس ويتراصون عليه رجال ونساء فمر من امامهم كلبا تذكر كلبه وسرعان ما هجم شخصا عليه وركله حتى عوى وابتعد فتعجب من الفعل لا يعرف السبب ولم يهتد لمغزى من فعله وركن عقله الى عدم الاهتمام , ثم جلست بجواره فتاه يبدو انه ارهقها السير فابتسمت له فبادلها وتحادثا ولم يطل حديثهما حيث انه لم يفهم نصف ما تقول واخر كلمه قالتها قبل ان تهم بالذهاب " يبدو انك لست من هذا الزمان " , عبرت الطريق وغابت وسط زحام العربات ولم يرى منها سوى رأسها وهناك من يوقفها ويجذبها من يدها وهى تقاومه فاندفع نحوها اثنان اخران ليساعداه وقد بدا عليهما الغيظ والماره فى الطريق لا يهتمون ولا ينظرون ولا حتى يتسائلون فانتفض جسده وأصر على عبور الطريق , ارتفع صوت المنبهات وتوقفت العربات واصطدم بعضها ببعض حتى مر الى الطرف الاخر وسألهم بهدوء : ماذا تفعلون ؟ . فما كان منهم الا ان ازاحوه من امامهم واستمروا فيما يفعلون فتحركت اعضائه رغما عنه يده تلكم هذا ويركل ذاك ويلطم الاخر حتى تحررت الفتاه من قبضتهم وفروا مهرولين ووجوههم يملؤها الخوف كفئران الزروع التى كانت تهاجمها القطط , شكرته الفتاه التى لا يعرف عنها شيئا وقالت بصوت يملؤه الغضب "انعدمت المبادئ " لم يفهم مقولتها وسار بجوارها كالطفل الذى وجد امه او الاخ الحامى لاخته , بدأت تحدثه عن نفسها واهلها ودراستها وهو يستمع فى سكون وصمت يحاول ان يدرك الكلمات البسيطه التى يسمعها ولاول مره يحادثه فرد من بنى جنسه , واثناء سيرهم سمع كلاما من خلفه يقوله احدهم بصوت أجش " انظر الى هذه الفتاه ماذا ترتدى ؟ , وانظر الى تلك كيف تسير ؟ , علينا ان نصل الى الحكم لنمنع اشباه هولاء من السير فى الشوارع " فالتفت نحو الصوت فوجدهما رجلان ضخام البنيه يخالط شعر رأسهم ولحيتهم الشيب وبطونهم الكبيره ممتده امامهم وتذكر ملامحهم كان قد رآهم وسط الماره حول الفتاه وهو يخلصها من الثلاثه الذين تمسكوا بذراعيها , غلبه الزهول والحيره وامتلأت رأسه بالافكار العجيبه أكان اولى بهولاء ان يدافعوا عن هذه الفتاه , فقطع افكاره صوت الفتاه وهى تقول " لا تشغل بالك بهم فهم دعاه التدين الظاهرى وكأنه لم يسمع عن غض البصر , وكأن الفتاه التى اشار اليها تسير عاريه " ادرك ما تقصد على رغم عدم فهمه لكثير من الكلمات ... تدين ... غض ... عاريه . هكذا رددها فى عقله , وصلا الى مفترق طرق وهو ما زال يسير فشدته لتوقفه وصرخت بوجهه الا ترى الاشاره خضراء , وقف وصمت فى تعجب حتى رأى ضوءا اخضر فوق رأسه وما ان تغير للون الاحمر حتى توقفت السيارات واخذت بيده ليمرا وفجأه صوت احتكاك بالارض ومنبه عالى وارتطام سياره بعجوز كانت تمر , عادت السياره للوراء والتفت حول العجوز وذهبت مسرعه , اتجه نحو العجوز ورفع رأسها عن الارض وصرخ فى الماره الذين لا يعنيهم الامر سوى بالتفاته استطلاع للامر وكلهم ذهبوا من حوله حتى الفتاه وسرعان ما قدمت سياره برتقاليه اللون ويدوى صوتها فى الفضاء , وقفت بجواره ونزل اثنان ليحملا العجوز وسألاه : هل أنت معها ؟ فهز رأسه بإيجاب فقالا : اذن اصعد الى السياره . صعد معهم وهناك تقدم منه شخص بلباسه الابيض والنجوم على كتفه ليسأله :
-ما علاقتك بالضحيه ؟
-تعجب وقال لا اعرفها .
- هل أنت صاحب السياره التى صدمتها ؟
- لا
- لماذا احضرتها الى المستشفى ؟
- هل كان على ان اتركها مصابه فى الشارع ؟
- أجب على قدر السؤال , أين تسكن ؟
- انا اسكن وسط الزروع بجوار النهر .
- هل تدعى الجنون بعدما قتلت العجوز ؟
- هل ماتت السيده ؟
قالها وغرق فى بحر الدموع وتأنيب الضمير الذى لم يدركه ليهب العجوز حياه فوق حياتها . وهنا نادى الشرطى على اثنين ممن جاءوا معه بقوله
- خذوه الى قسم الشرطه حتى نرى ماذا نفعل معه .


10‏/07‏/2012

مدينه "زرادق"


حدث فى زمن لا ندركه فى بلده لا نعرف عنها الا انها كانت خلف الجبل الاصفر العالى المتموج بالرمال التى تتطاير مع الرياح لتغطى اسطح البيوت المسقوفه بالخوص والاخشاب وتتراكم على اعتاب الابواب الضيقه القصيره , والسكون يعم شوارعها لا اطفال يلعبون ولا نساء يستلقين فى دوائر النميمه ولا رجال يتحطبن او يتبادلن السباب حتى ان القادم من بعيد يدرك من الوهله الاولى انها اطلال لبيوت خربه تركها اهلها , الا ان من اقترب واحدثت خطواته خشخشة بين الرمال ترائت اليه نظرات الصبايا من النوافذ والغلمان من خلف الأزقه , واذا ابتسم لاحدهما بادلك بفيه يشع منه اصفرار اسنانه وازدادت تجاعيد وجهه التى تنم عن حرقه من لهيب الشمس الحارقه المتعامده فوق الرؤوس فى وسط السماء , وسرعان ما يهدأ توهجها وتسقط خلف الجبل حتى يعم الظل والنسيم يلفح الوجوه والحركه تدب فى المكان والعمل فى نظام لم تعرفه البلدان الاخرى , الشباب والرجال والنساء وحتى الاطفال كل له دوره ومكانه وكأنها خليه لا تنفصل اجزائها عن الدوران والحركه , لا يتحدثون الا بذكر امجاد التاريخ واحوال السابقين, من بينهم كان "زردق" وهو الشاب العشرينى المتقلب الاحوال ليس من نهاره الا العمل ومن ليله الا التفكير والامل , تفكيره لم يتعدى حدود الجبل وكأن حدود العوالم تنتهى عند موضع القدم , ولم يشغل بال "زردق" كحال اهل البلده سوى ذكر الامجاد ونهضه الاولون الذين لم يدركهم ولا يعرف عنهم الا ما يحكى , فتسائل فى نفسه هل ما نتناقله هو عين الصواب ام ان الرواى قد يخطئ فى النقل او يبالغ فى الوصف او يتغاضى عن بعض المساوئ ليزيد من ألفه السامعين , فقرر ترك المحال والانتقال الى ما بعد مرمى الابصار , سار حتى بلغ ما دون الجبل من الناحيه الاخرى التى لم يراها سواه , واعتزل قومه فى كهف ظليل بين طيات الجبل ثلاثه اعوام الا خمسين يوما لا يأكل فى يومه الا تمره ولا يشرب الا بلعه , ولا يفعل سوى الانكباب على التفكير حتى ظن انه يوحى اليه من فوق السماء , يتوه فى الاوفق ويذوب فى الافكار ويكتب على وريقات ما قد يطارئه , ثم قرر العوده الى البلده الهادئه فوجد اقوام غير اقوام يلبسون ما يشبه حكايات الاقدمين ويتحدثون بلغتهم , واختفت النساء على غير المعهود وقل العمل فى المكان واختفى اللهو المسترق وقت الفراغ , وعندما سأل عن تغير الحال قالوا : اننا عدنا الى التاريخ لنصل الى الحضاره .
فقال "زرادق" : وهل الحضاره تأتى بتغيير الهيئه والمظهر ؟
فأجاب احدهم : نقلد الاسبقون فنصير مثلهم .
دار بعقله دخان الغضب ودوامه الافكار وتسائل فى نفسه , اى فكره هذه التى زرعت فى عقولهم ونمت حتى اصبحت غابه من الصبار الشائك لا يقربها احد وغلب عليهم التقليد حتى انعدام التفكير فترامت اليه من بعيد اختفاء النساء عن المشهد فسأل عنهم , وعصفته الاجابه بقول احدهم : لم نسمع ان اجدادنا كانوا يذكرونهم فمنعناهم عن الظهور .
ازداد الغضب بداخله حتى اشتم رائحه احتراق بعضه بداخله وحاول كتمان غيظه وقال : كان اولى ان تقلدوهم فى اسباب نهضتهم لا مظاهر بيئتهم , الم يعملوا بكد حتى كتب تاريخهم على رمال الجبل المتحركه , الم يبنوا البيوت ويؤصلوا فيكم الانساب ويشيعوا فيما بينهم العدل والرحمه , ولماذا لم تعودوا الى ما قبل هذه البيئه الى حين كانت قدسيه المرأه , وتتويجها وسط الملوك وانحناء الرجال تحت اقدامها ؟
قال بعضهم : الا يعجبك ملبس الاولون , اتهزأ بهم ام انك تدعوا الى الفجور والاثام ؟
فأجاب بوجه يملؤه العبوس : بل انا اذكركم بمآثر الاولين , هم من اسسوا القيم واولها حين تنازلت المرأه عن قدسيتها لتكون على قدم المساواه مع الرجل , فتجعلونها تحت اقدامكم .
فخرج صوت من خلف التزاحم الذى عم النقاش : لن تمكث فى بلدتنا هذه , عد من حيث اتيت او لنقتلنك .
وقال اخر : أى قدسيه هذه التى تتقولها , ما عهدنا على النساء الا خدمه الرجال وما نبت من ظهورهم.
فقال "زرادق" : بل انها استحداث ابائنا .
ثم عقب بقول صارخ : اين التقدم والحضاره التى وصلتم اليها بعد التقليد الظاهرى بأفعالكم ؟ هذه البيوت الغارقه فى الرمال والاعمال المتعطله ... هل تقدمتم , كان اولى ان تبحثوا عن طرق لوقف زحف الرمال او سبيل لتطوير فى الذات والعمل وحتى الملبس .
زادت الهمهمات وسط الحشود وكأنهم بهتوا بما قال ولكنهم كابروا بأفعالهم فأمروا بقتله ذبحا لا شنقا وقطعوا اطرافه ووزعهوها على اطراف المدينه البعيده , واندثر "زرداق" وسط الرمال التى اتى منها مرتين .

اختلفت الاقاويل حول هذه المدينه التى لم يرها احد فالبعض يقول بأنها ظلت فى اوهامها حتى دفنتها الرمال فلا نعرف مكانها , والبعض يقول ان اهلها تقاتلوا حول روايات التاريخ فلم يبق منهم احد وبقايا بيوتهم خلف جبل بجزيره وسط ظلمات البحار .

02‏/07‏/2012

التحرش من اشباه الرجال

ترقد مبتسمه حالمه بين النوم واليقظه على انغام زقزقه العصافير والضوء المنبثق من طيات النافذه المدرجه , حتى افزعها صوت المنبه فى تمام الساعه السابعه فتحسسته جوارها فأطفأته وقامت متكاسله دون ان تفارق البسمه وجهها وكأن الحلم ما زال مستمرا , بدأت فى الطقوس اليوميه الصباحيه فى تعجل وكعادتها تصل السابعه والنصف الا خمس دقائق من غير افطار فتهبط مسرعه درجات السلم وتخطو الى رأس الشارع فى خطوات مهروله حتى تلحق بأتوبيس السابعه والنصف لتصل الى الجامعه قبل التاسعه , فأندفعت وسط الحشود المتضاربه لتستقل الاتوبيس حتى انحشرت وسط اجسادهم المتعرقه فى مؤخره الاتوبيس , فلا تستطيع الحراك الا بحركه تماوجيه يحدثها التدافع مع هزات الاتوبيس المتتاليه , تشنج وجهها وهى تقاوم بكل طاقتها كى تخرج من وسط التكادس الذى لا ترى منه سوى الوجوه ولكنها شعرت بالايادى التى لا تعرف صاحبها بين لمسات او قبضات على اجزائها وبروزاتها , فتساقطت دمعاتها دون حول منها ولا قوه بعجز الصمت والاحتباس حتى انفلتت من تكتلهم وصارت فى المقدمه البرحه شبه الفارغه بعد ان فقدت هندام ملبسها وصار وجهها كم خرج من معركه اوشكت فيها على الهزيمه , فالتفتت اليهم صارخه باكيه بقولها " أليس منكم رجل "
والجالسون بين متجاهل او غيرر مبالى او يدعى الانشغال فى جريده او حديث جانبى فقال الرجل الضخم ذو الشارب المبروم الطويل هامسا مصاحبا لوجهه ابتسامه ساخره " ان كانت محترمه فلماذا تركب وسط هذا الزحام " وكأن كل من فى الاتوبيس من الشرذمه الداعره المتفننه فى اصول الاجرام , او ان الاتوبيس سينتظرها حتى يركب الحشد وتطلع على مهل .
سمعه القابع بجواره ذو اللحيه الشعساء والبقعه الخشنه فى جبهته فجاوبه بابتسامه راضيه وقول غير مبالى "ارأيت ملبسها الغير ملائم هو الداعى لما حدث لها فهى تستحق ما جرى حتى تتعلم لذاتها " وكأن الكلب لا يتشمم العظمه المدفونه فى الصحراء او ان الجانى لا يعاقب على فعلاه فى ظل الامور المتخبطه بين انعدام الفهم وسياده العبوديه .
فانتقل الحديث الى المرأه المزدحمه بدهنها الجالسه امامهم والكابسه على انفاس من بجوارها فقالت بضحكه متمايعه " بنات اليوم تفعل ما يحلو لها وتقنع من حولها بتمثيل الظلم الواقع عليها وهول الامر الذى مر بها , من المؤكد انها جاوبته حتى فعل ما يريد وبداخلها سعاده مخفيه "
فسارت همهمات بين القابعين على الثلج فى جمر الجحيم حتى ظهر شاب مفتول العضلات فى سن الفتونه المثاليه ووقف منتصبا حتى ساد الصمت الجميع خشيه ما سيقول , ولكن بسخريه حمقاء قال " اللى اتكسر يتصلح يابنتى " فعبأ الضحك الفراغ من افواه عبثيه جرداء وقلوب اغشاها العمى والفضاء وضمائر ماتت من دون كساء .
فيا ايها الذكور ليست الرجوله بطول الشوارب واللحى والا فالصرصور ارجل منكم بطول شاربه , وليست العضلات المفتوله هى ما يميزكم , ولكن المروءه والادب والضمير اليقظ لحقيقه صوب الاعين , ام انكم ستظلون مختلقى الاسباب الواهيه لتهوانكم ام انه التشفى فى عدم اللحاق بركب التلذذ بأذيه من تظنونهم اضعف منكم , ام انه استبصار العجز المتخفى فى صوره رجل , فينصبوا قاعه المحكمه للمجنى عليه وينادوا بتوقيع اشد العقوبه وينفذون الحكم من فورهم وينسوا او يتناسوا الجانى , فأسرعوا الى ما تبقى من رجولتكم قبل ان يأكلها الظلام فتصيروا خوارا كالمخنثين او الديوسين ليس خنوثه باطنيه كحالكم ولكنها ستظهر فى ميوعه اصواتكم واختفاء قوه عضلاتكم , فعجب العجاب لذكور فقدوا رجولتهم, والاعجب ان كلماتى تثير وطأه الغضب بداخلهم. 






شارك اصدقائك