23‏/08‏/2012

اهانه السيد الرئيس


     
        فى الحقيقه ليس هناك أسوأ من الالفاظ البذيئه واهانه الغير بحق او بغير حق , وتقبل الاهانه اللفظيه يتراوح ما بين سكوت الحليم ورد السب بالسب عند السفيه او اللجوء للقانون عند العاقلين وهناك ايضا اهانات من نوع اخر وهى التلميحات او التشبيهات فهذه لعبه اصحاب الكلام ولا يرد عليها الا بمثلها والبادى أظلم , ولكن عندى سؤال هل يستوى المهان ان كان مسؤولا او مواطنا ؟ وهل يستوى المتلفظ بالاهانه ان كان مسؤلا او مواطنا ؟

للاجابه على هذا السؤال اتذكر ما قرأته منذ فتره عن رئيس وزراء بريطانيا السابق وكان يدعى ميجور وهو يقوم بجولته الانتخابيه لاقناع الناس باعاده انتخابه وحينها اقتربت منه سيده عجوز وقالت له : انت كذاب ومنافق ... تريد ان تعرف رأيى فيك خذ هذه . ورمته بالبيض وعلى الفور التف حوله الحراس ورجال الامن لحمايته وخرجوا به من المكان ولم يتم اعتقال السيده او حتى لومها وفى اليوم التالى نشرت جميع الصحف القوميه والعالميه صور رئيس الوزراء ووجهه ملطخ بالبيض النيئ . قد تكون هذه السيده تطاولت على السيد رئيس الوزراء ووصفته بما ليس فيه وتستحق العقاب بموجب القانون بتهمه اهانه مسؤول فى الدوله , وقلت فى نفسى قد تكون حادثه عارضه او ان القانون البريطانى يبيح تبادل الاهانات وهو مالا نقبله فى بلدنا هذه , ولكنى تذكرت مقوله للرئيس الامريكى ترومان حين اشتكى اليه احد الوزراء من هجوم الصحف عليه  " اذا اردت ان تبقى فى المطبخ فتحمل حراره الفرن " ولن ننسى بالطبع كيف كانت مهاجمه الصحف للرئيس بوش واتهامه بمجرم حرب بعد حرب العراق وافغانستان ويجب محاكمته وسبه وقذفه بأفظع الالفاظ وتشبيهه بهتلر العصر الحديث فى حين وصف هو نفسهه بقائد الحروب الصليبيه ولم يسكت عنها الكتاب والفنانون والمبدعون فتوالت الرسوم الكاريكاتوريه والنكات (بوش يرتدى زيا من العصور الوسطى ويحمل سيفا ملطخا بالدماء ) واحتج المواطنون على ارسال ابنائهم ليقتلوا فى العراق واتهموه بأنه السبب فى الازمه الاقتصاديه التى مرت بها الولايات المتحده وسبه فى المؤتمرات الصحفيه او اللقائات العامه كما وصفه احد المواطنين فى مؤتمر تم بثه مباشره " ايها الاحمق الغبى ", ومن قبله جيمى كارتر الذى وصفوه "الغبى الذى لا يستطيع ان يمضغ لبانه بينما يحافظ على توازنه اثناء السير " ولن انسى بالطبع كلينتون ذائع الصيت المشهور بفضائحه الجنسيه والذى وصفوه " الرئيس السوسته " يقصدون انه كان يفتح سوسته بنطاله كلما اختلى بمونيكا ( اتحدث عن الصحف الامريكيه ).. ما هذه الهمجيه عند المواطن البسيط وما هذه الفوضى والتحريض المباشر واثاره الفتن والاهانه المباشره من الكتاب للمسؤولين , يجب ان يوضع حد لهذه المهزله . وبالفعل انتهى هذا الزمن  وجاء عصر الرئيس الاسود من اصل بربرى "باراك حسين اوباما" كما وصفته الصحف الامريكيه بعد نجاحه فى انتخابات ديمقراطيه نزيهه وباختيار المواطنين انفسهم , ولم تقف الاهانه عند هذا الحد بل وصفوه بالرئيس الصغير الذى دخل البيت الابيض ووصفوه بالرئيس الضعيف الذى لا يملك اتخاذ القرار اثناء الثوره الليبيه , واخيرا اطلت علينا الصحف منذ بضعه ايام بوجه اوباما يملأ الغلاف عبوسا حزينا ومكتوب بجواره "الرئيس الفاشل " .
لم أجب عن السؤال بعد هل يستوى المهان ان كان مسؤولا او مواطنا ؟ بالطبع لا .. ففى الدول التى يصفونها بالمتقدمه وهى بالفعل كذلك يتوافد على المحاكم يوميا العديد من قضايا السب والقذف بين المواطنين وقضايا التعدى على موظف اثناء تأديه عمله وتتفاوت العقوبه بين الغرامه الماليه او الحبس ولكن لم يحدث ابدا ان حكمت محكمه فى قضيه يكون احد الطرفين مسؤولا رفيعا فى الدوله , فليس هناك بين المواطن سواء كان شخصا عاديا او كاتبا علاقه شخصيه مع المسؤول ليعاقب على اهانته ولكنه يعبر عن رأيه فى الحاله السياسيه بل ورجال القانون هناك لا يعتدون بقدسيه الحياه الخاصه لكل من دخل مجال العمل العام ... وكما يسمونها عندهم هذه هى الديمقراطيه .

وبما أن هذه الدول الكافره الهمجيه التى تدعى احترام حقوق الانسان ولا تمارسها وتتناول الشعارات الكاذبه ليل نهار , فعلينا ان نقارن بينها وبين الدول المؤمنه الحليمه والتى تراعى حقوق الانسان باسم الدين ولا تقول الا ما تفعل مثل دولتنا العظيمه التى مرت من احتلال الى احتلال ومن قيد خارجى الى قيد داخلى ومن خيانات دوليه الى خيانات محليه ومن الاتجار باسم الخلافه الى الاتجار باسم الملكيه مرورا بالاتجار باسم الجمهوريه وحديثا الاتجار باسم الدين , رأينا كيف كانت الحريات فى عصر الخلافه وكيف كان لا يجرؤ احد على الحديث عن السلطان او يذكر اسمه الا بالخير وكيف كانت تباع المدن لدول الاحتلال ومن يعترض كانت عقوبته الاعدام بتهمه مخالفه السلطان , ثم دخلنا فى عصر المملكه المستقله ولكنها تحت اسم الخلافه فى عهد محمد على وكيف كانت ديكتاتوريته رغم النهضه التى قام بها , ثم بعد سقوط الخلافه واستمرار المملكه وكيف كانت مداهنه رجال الدين ومدعى التدين للملك حتى وصلنا الى الملك فاروق ورأينا كيف وصفه البعض بالفاروق عمر فى عدله وكرمه طمعا فى السلطه ولم نرى المعارضين الا فى السجون , ورأينا كيف تكون المظاهرات المعارضه والمظاهرات المؤيده , فيخرج البعض لينادى بسقوط الملك بينما يخرج اخرين وشعارهم " الله مع الملك " , الى انتهاء العصر الملكى وابتداء الجمهوريه الاولى بثوره 1952 التى جائت برئيس من جلده بنى الشعب وهو الرئيس محمد نجيب تلاه جمال عبدالناصر بعد عزل الاول بحركه قام بها الجيش ولكننا لم نرى المعارضه الا خلف القضبان ولا سبيل الى انتقاد سياسات الرئيس حتى ولو "دردشه على قهوه " فهناك البوليس السرى لا يفلت من قبضته الا المداهنون والهاتفون باسم السيد الرئيس , وبدأت الدوله العسكريه مرورا بالسادات وسياسه المد والجزر من افراج عن المعارضين ثم اعتقالهم , حتى جاء المخلوع حسنى مبارك وعرفنا على يديه كيف يكون ارهاب المعارضين وشهدنا السلطه المطلقه التى كان يملكها وكيف يكون التعذيب على ايدى رجال امن الدوله , ويتوالى المدح والثناء على سياسه السيد الرئيس فى الصحف القوميه حتى اوصلوه فى بعض الاحيان الى درجه نبى او اله , ومن الغريب انى لا اتذكر انه اغلق احدى صحف المعارضه او منع نشرها ولكنى اتذكر كيف تعامل مع الكاتب الصحفى ابراهيم عيسى حين كان يكتب فى جريده الدستور يدافع عن الاخوان المسلمين وقد فتح الجريده لقيادات الاخوان وكان يهاجم سياسه الدوله ليس الحكومه فقط ككل المعارضين ولكنه هاجم الرئيس وابن الرئيس الى انه فاضل بين عصام العريان وجمال مبارك فى احدى مقالاته وكتب فيها " اذا كان الاختيار بين جمال مبارك وعصام العريان فعلى الشعب ان يختار عصام العريان " حتى كتب عنه احد الكتاب المؤيدين للرئيس ان ابراهيم عيسى يدافع عن الاخوان المسلمين كى يبيع مليونى نسخه يوميا ... وكان لابد من العقاب وبالطريقه السياسيه فقد اشترى حزب الوفد الجريده على ما اتذكر بـ 16 مليون جنيه وهو مبلغ ضخم جدا ليس فقط من اجل جريده الدستور وانما فقط لمنع ابراهيم عيسى من الكتابه فيها , ثم تلاه الاديب علاء الاسوانى بعد كتابته مقال بعنوان " لماذا ترك ابراهيم عيسى الدستور " , وتحول ابراهيم عيسى الى التحقيق ثم الحبس لمده عام ولكن لحقته العنايه والرحمه الرئاسيه وتم العفو عنه .

انتهى عصر المخلوع بثوره شعارها " عيش , حريه , كرامه انسانيه " ثم بعد ثالث ايام الثوره وقد التحق بها الجموع من الخائفين والمترقبين او الغائبين تغير الشعار الى " عيش , حريه , عداله اجتماعيه " , والغريب ان الصحف القوميه التى تحولت فجأه من ذم الثوره ومدح الرئيس الى المهنئه بنجاح الثوره والاشاده بدور المجلس العسكرى بقايا الدوله العسكريه , ثم بعد قيام الجمهوريه الجديده بتنصيب اول رئيس منتخب وهو السيد مرسى الذى هتف فى مؤتمراته بشعارات مطمئنه من انه لن يغلق صحيفه او يمنع قلما او يحكر رأيا , رأينا حركه تغيير رؤساء الصحف والمجلات القوميه مع اغلاق بعضها كمجله سمير للاطفال والغاء صفحه الرأى فى جريده الاخبار ومنع مقالات كتاب عظام كعبدالحليم قنديل ويوسف القعيد وابراهيم عبدالمجيد وغيرهم امثال سامح فايز وغاده نبيل... وانتهينا بمصادره جريده الدستور وتحويل رئيس التحرير الى المحاكمه بتهمه اهانه السيد الرئيس وتم حبسه اليوم ونقله الى سجن طره بالرغم من صدور قرار من النائب العام بمنعه من السفر .
فمتى سترى مصر نور الحريه ؟ ومتى ستتحقق الشعارات ؟ ومتى سنلحق بركب الديمقراطيه الحديثه ؟ ومتى سينتهى الارهاب وتخويف المعارضين ؟ وهل يمكن للرئيس الذى يملك السلطه التشريعيه والتنفيذيه معا لأول مره فى تاريخ اى رئيس مدنى يمقراطى ولا ينقصه الا امتلاك السلطه القضائيه ليكون الها والتى هى مسيسه بالفعل من الغاء قانون اهانه الرئيس تنفيذا لشعاراته وقت الفتره الانتخابيه ؟ من الواضح ان مصر لن تحظى فقط ب 100 يوم من العسل ولكنها ستكمل مسيره السلطان والمملكه والجموريه العسكريه بالجمهوريه الحديثه كلها متشابهه .






شارك اصدقائك