نقطة حبر هزت أركان الورقة , إرتعشت اليد وهى تخط أولى
الحروف , وتشبعت الألياف بما أحتوته من كلمات , تحولت المشاعر الى مخطوطات ,
وإنتقلت الأحداث عبر الأزمنة حتى صارت الكلمة سلاح ضد كل أركان الخواء , وأرتفعت
أسنة الأقلام لتضع أول تنوير فى طريق الحضارة والتقدم , لتضع الإنسان فى مرتبته
فوق الحيوانات , لم يميزه عنهم سوى الإدراك الذى نأى به عنهم وجعله سيدا عليهم .
قبل هذا صب الحديد منصهرا ودق بالمطارق حتى أستوى وحدت
حوافه , وتدربت الأيادى وتفننت فى إستخدامه حتى أرتفعت أسنة السيوف لتراق أول نقطة
دم فى طريق الحروب والتعصبات , فى طريق الأحتلالات والهيمنه , الإبادات العرقيه
والمقابر الجماعيه , القتل تحت أى مسمى ولكنه قتل .
إنتظر .. لم تتلاقى الأسنة بعد ولكننا برؤية مصغرة أمام
طريقين أيهما ستختار ؟؟ .. لك مطلق الحرية ولكن دعنى أكمل .
إلتقت أسنة الأقلام وأسنة السيوف , كيف ؟ ولماذا ؟ فإما
قلم خط وأشار للسيف أن يفعل فعلته , أو قلم وقف وحيدا ضد السيف فكسرت سنونه ,
وأرتفع السيف عاليا , ولكن القلم لا يحتاج لصهر وطرق أو تدريب وإنما يكفيه قليل من
الحبر ويكمل الكفاح فى وجه السيف .
أين التقدم والحضارة إذا فى لون الدماء ؟ هل هو بالأمر
المحبب أم بالجاذبية العاطفية ؟ !! لا أعتقد أبدا أن هناك فرق بيننا وبين
الحيوانات الأقل منا فى المرتبة أو التدريج , وحتى الإدراك الذى تفوقنا به عليهم
هبط إلى أسفل سافلين , وقد صار فى إعتقادى أن البشرية من أخطر الحيوانات على وجه
الأرض , أخطر من الأفعى وأشرس من القرش , فحين ننظر الى عدد من ماتوا فى الحروب
الكبرى على مر التاريخ , بغض النظر عن الحروب الصغرى التى قد تساوى أضعافا او
بالخلافات الفرديه التى تصب فى كفة القتل , فإننا لا نقارن بأشرس الحيوانات .
فأى إدراك هذا الذى يؤدى فى النهاية إلى أقتتال لإبادة
الفصيل البشرى , أى إدراك هذا الذى يختلق الأوهام ويورثها ليصنع المذابح البشرية
التى لو سجلت فى موسوعات خاصة قد ترى التسابق بينهم فيمن يقتل أكثر , لن أقول
الحجاج أو هتلر أو موسلينى ولكن سأقول بشرا تحولوا لقطع شطرنج تحركها أيادى فى
حروب تصب فى النهاية لمصالح خاصة أو مجد بلا مجد , ثم يتراقصون على الدماء منتعشين
بفورة النصر الكاذب , وأى نصر بعد القتل ؟
الإنسان مصطلح لا يطلق على بنى البشر , بل هو كينونة
ترتقى بإستبدال القلم محل السيف وإستكمال مسيرة الإرتقاء .