15‏/04‏/2013

المستوصف الذى دخلة الإسلام



المستوصف : هو مستشفى صغير للإستشارات الطبية وعلاج الطوارئ .
الأصل استوصف يستوصف استيصافا فهو مستوصف , أستوصف الطبيب لدائه : أى سأله أن يصف له ما يتعالج أو يتداوى به .
منذ أن بدأت سنة الإمتياز ولا يدور حديث بين زميلين ويخلو من ذكر المستوصفات والـ ( private ) , هذا يبحث , وهذا يعمل , وهذا يفتخر بحصوله على ضعف السعر الثابت فيزيد رابته .. الجميع يبحث عن الأرباح دائما .
بغض النظر عن كون سنة الإمتياز للتدريب وليس للعمل , ولكن فى ظل الراتب المتدنى الذى يتلقاه الطبيب ( 289 جنيها شهريا ) ومتطلباته الفردية التى تبدأ بالسكن الذى لا يقل إيجارة عن 200 جنيها للفرد , مع وجبة عشاء خفيفة (اعتمادا على وجبة الغداء المقدمة مجانا من المستشفى ) وقليلا من المواصلات , فربما يكفيك الراتب لفترة لا تزيد عن أسبوعا وبالتالى لابد من كسر الإفتراضيات والبحث عن عمل .
وفقت ووجدت عملا فى مستوصف يسمى ( مركز العزيز باله الطبى ) فى اليوم الأول والذى كان معدا للإفتتاح وسيكون الكشف مجانا , ذهبت وكنت متوقعا أن يكون المكان فى إفتتاحه الأول يبرق لمعانا , ولكنى وجدت مبنى قديما بدهانات متساقطة وأتربة متراكمة , وبلاطا متكسرا , وأدوات صدئة , وكراسى محطمة , ومكاتب متآكلة , وحماما لا يليق بالإستخدام الحيوانى ( أعزرونى إن كنت عنصريا فى هذه الجملة ضد الحيوانات ) .
توقفت للحظة .. كيف يكون الإفتتاح لهذه الأطلال ؟ هل هو إفتتاح لمكتب أثرى من بقايا الحرب ؟ أم مركزا طبيا لعصور ما قبل محاربة العدوى ؟ .. كان لابد من قبول العمل ولكنى عقدت العزم على البحث خلف هذا المكان المريب .
ومع نهاية اليوم الأول عرفت أن هذا المكان فى الماضى كان يسمى ( مركز الدكتور *** الطبى ) .. صاحب هذا المركز والذى كان يدعى الدكتور *** لم أقابله الى الآن , علمت أنه طبيب صيدلى ( لا تتعجب من كون صيدلى يملك مركزا طبيا بإسمه ) أشتهر هذا الطبيب وسط الأهالى بالسرقة والإتجار فى الأدوية المخدرة الممنوع تداولها , حتى وصل به الحال الى بيع الأقراص منتهية الصلاحية بعد مسح تاريخ الإنتهاء بالأسيتون وقص الجزء الأخير البارز من الشريط .
أشتدت العداوات بين أهالى المنطقة وهذا الصيدلى , انتهت بالحادثة التى رجت المكان .. تم الإمساك بطبيب ( إمتياز ) كان يعمل فى المركز فى شقة أحد الأه\حالى بدون ملابسه الداخلية ومع صاحبة المنزل , هذه الحادثة أجبرت الصيدلى على عدم الإقتراب من المنطقة تماما , ليس فقط من شبهة العرض المزعومة ولكن أيضا متهربا من الأموال المدان بها ومن البلطجية الذين أتعبتهم الأقراص منتهية الصلاحية وقد إكتشفوا ذلك , وتم إغلاق المستوصف .
هنا كان لابد من وجود حل لإنتشار نفسه من الغرق فقد أحاطته الشبهات من جميع الأركان , ولم يجد أمامة سوى إعطاء الأمر صبغة دينية, فالسارق إذا أطال لحيته ( فى أوطاننا ) أصبح داعيا تتهافت عليه الكاميرات .
إتفق مع صديق ملتحى ليدير له المكان , فكان الإقتراح الجهنمى المثالى بتغيير الإسم من ( مركز الدكتور *** الطبى ) الى ( مركز العزيز بالله الطبى ) .. تهليل .. تكبير .. لقد دخل الإسلام (مركز الدمتور *** الطبى ) , وبعد إغلاق دام لأكثر من شهرين , تم إفتتاح المركز على آيات الذكر الحكيم , وراحت اللحى تحيط بالمكان تهنئ وتبارك وكأنهم يقومون بأدوارهم فى مسرحية الفتح الإسلامى .
تعجبت من تصديق الكثير لهذه الخدعة , ولكن يبدوا أنها خدعة العصر الكبرى , ليست كذبة إبريل لهذا العام , ولكن العام أصبح كله كذبة إبريل , يمثلون , يتقنون التمثيل , يصبغون الحديث بمسحة إسلامية , مع قليل من اللعب على الطائفية , ترى الشبهات انقشعت .. غط نفسك بجلباب القدسية , هاجم الجميع , تحدث بهدوء ودموع , ابتسم حين يستدعى الأمر , أجتذب الجميع بالخرافات , سترى الجميع يظنون بك رجل الدين الأول والأوحد .. لا مانع أن تتحدث فى الطب أو الفلك , لا مانع أن تتحدث فى الإقتصاد , ولكن لا تنسى الصبغة الدينية فى قولك .
وكما بدأت بتعريف كلمة مستوصف , فهناك كلمة أخرى أود أن أشرحها قبل إستكمال الكلمات .. إنها كلمة ( كول call) أى الإستدعاء , تطلق على جهاز فى المستشفى تقوم أولا بالإتصال بالسويتش وتطلب إستدعاء طبيب فى تخصص معين ليتم التعامل مع الحالة أو التشخيص الصحيح , ويستخدم أيضا فى إستدعاء الأمن أو التمريض إلى غير ذلك , فهو كوسيلة إتصال سريعة حيث يقوم عامل السويتش بالنداء عبر السماعات المتناثرة فى أركان المستشفى , ما إن يسمع الطبيب النداء يذهب الى الوجهة المراد الوصول اليها .. جهاز الـ ( كول call) مخصص لذلك وإمكانياته لا تتعدى النداء بجملة صوتية رخيمة من عامل السويتش .
فوجئت ببث الآذان عبر سماعات الـ ( كول call) , والمفاجأة الكبرى كانت الفرحة فى عيون البعض وهم يرددون ( لم نكن نستطع فعل ذلك إلا فى عهد الرئيس حافظ القرآن ) ويبدو أن الإسلام دخل المستشفى أيضا , إلا انى حين قلت لهم بأن هذه السماعات لن تحتمل البث الإذاعى بهذا الشكل لأى شئ سواء الآذان أو غيرة , أحاطونى بنظرات مستنكرة , إلا أن الأمر أستمر ليومين فقط وتعطل جهاز الـ ( كول call) .
مشاجرات لا تنتهى فى مستشفى الطوارئ والأستقبال بسبب صعوبة الإتصال بالأقسام , وعدم سرعة حضور الطبيب المختص .. الأهالى لا يصبرون ومعهم كامل الحق , وإدارة المستشفى بدون تخطيط فعلت ما يستدعى العقاب بإفساد وسيلة الإتصال المتاحة وتعطيل العمل تحت حجة عاطفية أو صبغة دينية تزيل صبغات أموال الصناديق الخاصة , فإن فعلت عن علم فهو قبح وإن فعلت عن جهل فهو الأقبح .. ما يقرب من أسبوع بدون جهاز الـ (كول call ) الى الآن , ولا سعى لصيانة أو إعتذار .. والحياة تسير .
فهل علينا دوما أن نصدق كل من يدغدغ مشاعرنا ويلهب عواطفنا بشعارات أو أفعال أو أقوال لا علاقة لها بالحسابات الواقعية الملموسة ؟

01‏/04‏/2013

من " الحب تحت المطر " الى " خارطة الحب "



فى تلك الليلة حين سألنى صديق وسط كثير من المزاح : هل أنت تقرأ مثلهم تلك الكتب التى تلوث الأفكار ؟ أيقظ ذلك السؤال ينبوع من الماضى كان قد إنطفأ منذ أمد لم أشعر للحظة أنه قد يعود , بكل هدوء أجبته بـ لا وأنا حزين , لم أعلم حينها لماذا ؟ هل لأن هناك من يتميز عنى ولو بقراءة الكتب التى تلوث الأفكار على حد قول صديقى , أم أنا حزين لأنى لم أع ما يقصد بالكتب التى تلوث الأفكار ؟ وكيف تلوثها ؟ .. مكثت لأيام أفكر فى شيئ مجهول لا أستطيع تحديد ملامح له , قادنى الحظ أن أكون قريبا من شخص رشح لى رواية " خارطة الحب " , تلك الرواية التى لم أدفع ثمنا لها سوى خمسة جنيهات , هل تستحق حقا الخمس جنيهات ؟ جلست طيلة اليوم أنظر الى الغلاف ولا أحاول حتى تصفحها من الداخل , تذكرت أول رواية قرأتها فى حياتى , كنت حينها فى الصف الأول الإعدادى , كان لم يزد عقلى حينها معرفة سوى بالقص المصورة وقصص الأنبياء للأطفال , وكثير من القصص التى لم أشعر للحظة ل بالإثارة ولا بالفضول كى أكملها , كلها لا تزيد على البطل الشجاع الذى كان يسمع الكلام صغيرا فتجنب الأذى كبيرا , وأصبح كما كان يرغبه أبوه ( صورة طبق الأصل من الأب مع حزف الأخطاء الخفية ) , كنت أشعر بسذاجة الكاتب وحماقة من يصدقها , حتى أربكنى نص منمق يشعرك دائما بالفضول مع كل سطر , تريد أن تعرف ما سيحدث , إثارة وخيال , ترتسم الشوارع والأحداث بالكلمات , إنها رواية " الحب تحت المطر " للروائى العظيم نجيب محفوظ .. كنت عائدا من مكتب تحفيظ القرآن ووجدت بيتا منهارا وأطفالا كثر تدخل تحمل الكثير من الكتب وتخرج , ويتهامسون بإنبهار كيف سيحصلون على الكثير من المال عندما يبيعونها ( بالكيلو ) فهذه الكتب وزنها ثقيلا , دخلت بدافع الفضول ومن وسط الحطام انتشلت تلك الوريقات المجمعة وخبأتها فى ملابسى كسارق محترف وعدت للبيت خائفا من العقاب على أخذ ما ليس لى متلذذا بفعل الممنوع , ولكن فى الحقيقة هى ليست لأحد فقد استباح الجيران وأطفالهم حرمات بيت لم أعرف صاحبه , وفى نفس الوقت أحببت أن أقرأ من كتب الكبار التى طالما أوجعوا رؤوسنا بها نحن الصغار , وعندما قرأت إسم الكاتب فرحت , لا لشيئ إلا أننى كنت قد درست عنه فى المدرسة وقرأت بعضا عن حياته , كان عظيما بحق , فقد حصل على جائزة نوبل فى الأدب , ما الأدب ؟ لم أكن أعلم حينها , هل كان مؤدبا يسمع الكلام ؟ كان هناك أحد المدرسين الأفاضل من ضمن من كانوا يزرعون أفكارا فى عقولنا بحق أو بغير حق , كان يقول نجيب محفوظ قليل الأدب لذلك أخذ نوبل فى الأدب , أما مدرس التربية الدينية , وبما أنى كنت أزهريا فكان لابد من الصغر بالإهتمام بالتربية الدينية تلقينا وتحفيظا والأستماع جيدا بما يقوله المدرس الذى بات فى ذهنى حينها أنه لا يخطئ , فى تلك الحصة كان يشرح رحلة الهجرة من مكة الى المدينة وقال ان الغار الذى أختبأ فيه النبى محمد وصاحبه أبا بكر كان على نخلة .. نعم قال ذلك , وأن الثعبان حاول أن يلدغ النبى فوق النخلة ولكنه أخطأ .
هذا الرجل سألته عن نجيب محفوظ فقال بكل ثقة إنه كاتب كافر لا يعنيه الدين فى شيئ , يلوث الأفكا ويؤيد الغرب الكافر , حين عدت منزلى فى ذلك اليوم حكيت لوالدى قصة الغار فعرفت كيف يكذب الجاهل , وفى اليوم التالى وبخه أبى أشد توبيخ , عمدت قراءة الرواية الى آخرها , كنت أخبئها كى لا يراها أحد حتى رآها معى عمى , أشتد غيظه وحنقه وثار ثورة لا أعلم لماذا , وحينها قال لى أبى أن مثل تلك الروايات للكبار وعلى أن أنتظر حتى أكبر لأقرأها , وعندما كبرت لم أقرأ كتب الكبار ولا كتب الصغار , حتى كانت " خارطة الحب " للرائة أهداف سويف , هذه الرواية قلبت فى ذهنى العشق والوله , الإصرار والوطنية والسياسة , كنت أقرؤها وأشعر بأنها تنطق ما تعلق بأطراف لسانى , تحركت يدى وقررت أن أكتب , لا أعلم كيف ولكن القراءة فجرت بداخلى أحاسيس كثيرة وبراكين من الأفكار تتزاحم بقلبى حتى أنها لا تعرف الخروج , أحببت القراءة بشره , صرت لا أستطيع الكف عنها , أو حتى أتجاهلها , تحطمت أصنام المسلمات واحدة تلو الأخرى , حين وجدت الإجابة على تساؤلات كانت تؤرقنى , كنت كالأرض الجافة فى شربها للماء , كذلك أصنامى تحطمت .
شكرا لهذا الصديق الذى رشح لى " خارطة الحب " , وما زلت على عهدى به إن كان لى كتاب سيكون الإهداء له .

شارك اصدقائك