19‏/04‏/2012

الجنيه والنيران الطائره


فى الايام الخوالى , وحين كنت صغيرا كانت تخيفنى حكايات جدتى عن السمكه الجنيه , ولا تتخيل من اسمها انها فى الاصل انثى تتحول فى الليل الى عروس بحر بزيل سمكه تسبح فى البحر المجاور لبيتنا , كانت فتاه بجمال خيالى لا يقاومه احد حتى النساء يحسدونها على اتساع عيونها وبروز انفها وبياض وجهها ونعومه شعرها وامتلاء نهديها ودوران ردفيها , كانت تقف وسطهم كزهره البنفسج وسط اعشاب الارض , ما ان يراها رجل حتى ينبض قبله ويشتعل توهجه وتسقط شفاه ويسيل لعابه , ولكنهم لا يعلمون اين تختفى من غروب الشمس حتى مشرقها حتى ظنوا فيها الظنون وتناقلوا بينهم الكلام الى انها وقعت فى شباك احدهم يتصيدها مساءا ليغرقوا فى موجات الحب حتى الصباح او انها هيا الجنيه التى رآها كثير من الشباب وهم يسقون الاراضى تخرج من الماء وتعود تصيبهم بالخوف ويسيل لسانهم بقراءه المعوذتين والاستعاذه من الشيطان . حتى جاء اليوم فتجرأ محفوظ وهو الشاب العشرينى الفتى ذو الوسامه الموروثه من اصل تركى على السباحه الليليه فى بحر تملؤه الاساطير عن الجنيات والشياطين حتى سقط فى دوامه افقدته اتزانه وصار يبحث عن عشب يتعلق به او منقذ يسمع ندائاته المتقطعه , اخذته الدوامه لاسفل وكل ما حاول التقاط انفاسه تلقى بدلا منها مياه البحر اللزجه من عفن الموتى وطين ملئ بقشر الاسماك , فإذا بيد ترفعه لأعلى وتسلم جسده على الاعشاب الناميه على جوانب هذا البحر وبنفس اليد الناعمه تلامس جبينه وتلاعب شعيراته حتى استيقظ سعيد الحظ محفوظ وفتح عينيه على ورده متفتحه مبلله الشعر اخذ يتأملها من اعلى لاسفل فعينين كالمها وشفايف مكتنزه ولا يغطى نهديها سوى هاتين القطعتين الصغيرتين وما ان سقطت عينيه تحت سرتها حتى انتفض واقفا فى زهول , مغمض العينين متصلب الاعضاء لم تساعده قدماه على العدو مبتعدا , فهدأ من روعه صوتها العذب الحنون الذى تصاعدت وتيرته متأسفه انها على هذا الشكل الذى يخشاه الجميع وانها ستبتعد الان بعد ان اطمئنت عليه , انفتحت عيناه وقال مسرعا انت الجنيه التى نراها من حين لاخر ؟ .
هزت رأسها وقد احمرت وجنتاها وضمت يداها محاوله ان تغطى ما ظهر من جسدها , تجرأ محفوظ كعادته وجلس بجوارها وبدئا سيلا من الاحاديث  وتلامس كتفيهما فحنت الى صدره لتشعر بدفء لم تجربه قط , فضمها اليه ورفع وجهها لينظر لعينيها حتى ضاع فى متاهة الحب وسط قبلات واحتضان الى شروق الشمس , انتزعت نفسها من بين يديه وهربت مسرعه وسط الماء حتى لا يعرف حقيقتها وظلا يتقابلان كل ليله فى نفس المكان فيهيما شوقا وحبا , وبعد بضعه شهور تأجد هاجس نساء القريه وقد بدأت بطنها بالظهور وعلامات الاكتئاب والشحوب على وجهها , وفى هذا الليله اخبرت محفوظ بحملها وحاولت ان تقنعه انها لا تتحول إلا فى الظلام وانها بشريه طيله النهار ولكن محفوظ قد انتابه القلق وكيف يخبر اهله بأنه سينجب من جنيه وكيف يتزوج إنس من جنيه وبهدوء قال لها حين يحين الموعد سنعلنها للجميع انك زوجتى , ابتسمت ونامت بين احضانه لتعود فى الليله المقبله ولم ولن يأتى محفوظ بعدها , واهل القريه يقتلونها بالنظرات والهمسات وفى الليله الموعوده صرخت بألم المخاض قبل الغروب فخرجت مسرعه باتجاه البحر وهى تحمل بطنها امامها وقد تجمع الرجال والنساء من القريه امام بيتها وعلى طول المسار فى اتجاه البحر حتى وصلت على حافته سقطت من فورها وخرج من ملتقى فخذيها طفل يصرخ وقبل اكتمال خروجه تسارعوا اليها بالضرب وهى تصرخ من ألمين اجتمعا يسبونها ويقذفونها ويتلاقون عليها بالعصى والحصى حتى هربت منهم الى الماء وقد غابت الشمس فغاصت الى الاعماق , ومن حينها لم تخرج من البحر ابدا إلا فى الليل فتصرخ لساعات وتقتل كل طفل يقترب من البحر فى ظلام الليل .
لم اخرج مطلقا من بيتنا بعد غروب الشمس مع انى لم اسمع صراخ الجنيه التى ما ان سمعت اسمها حتى ارتعشت خوفا مختلطا بدمع الحزن على ما آتها هى ووليدها , وبعد عشرون عاما اتذكر هذه الحكايات واضحك على نفسى حين امكث مطيعا وارفض الخروج للعب مع الاولاد فى الشارع ليلا خوفا من الجنيه , بعد كل هذه السنوات التى ربحنا فيها تقدما فى كل المجالات , الاناره الليليه اقوى من ضوء النهار , العربات تجوب الشوارع تملؤها صخبا , لامجال لتصديق كل هذه المهاترات حتى الاطفال لا يستشعرونها نجد فى قريه مجاوره كلام عن هجوم الجان واحتلاله لشوارع القريه ورعب يدب فى المكان , اناس تهاجر منازلها واخرون لا يدخلون منازلهم ويفضلون المبيت فى الشارع وسط الالفه والزحام .
قررت ان استكشف الامر بنفسى , اتصلت بصديق لى فأخبرنى ان الامر جدى وان الجان احتل القريه بسبب هؤلاء السحره , فذهبت اليه وشربت كوبا من الشاى , فإذا بالصراخ يملأ الارجاء خرجت مسرعا فرأيت النساء تجرى كالجمال والاطفال يتساقطون تحت ارجلهم ولا يلتفتون لهم من خوفهم , نظرت الى صديقى فكان يرتعد خوفا فسرت عكس اتجاههم حتى رأيت النار تعبر الشوارع بدون قيود , تدخل من تحت ابواب المنازل وتخرج من ثقوب النوافذ  , نيران متقده فى نفسها تتحرك فى الهواء دون ان يحركها شئ ولا تحرق شئ  تمر من بين الرجال وهم يهرعون ولا تلهف جباههم او ملابسهم , تخترق الصفوف المرصوصه من تبن القمح ولا تحرقه واكوام القطن ولا حتى يسود من غبارها , نار كانها ضوء فقط وتختفى , تترك شارعا وتظهر فى اخر , فعدت مسرعا لصديقى فإذا به متجمدا فى مكانه اجتذبته لندخل , امه صرخت علينا لنلحق بانتها فى بيت زوجها لوحدها وقد تصيبها النيران , خرجنا مسرعين وبداخلى أود لو اخبره ان هذه ليست نيران تحرق , دخلنا على اخته ونادينا فلا مجيب والنيران ظهرت مجددا فى منزل اخته , تجنبناها وبدأنا الحث كل فى جهته , دخلت غرفه مليئه بالكراتين والكراسى القديمه وغيرها من الاشياء التى تنم عن عدم قيمتها وامامى مباشره اخته جالسه القرفساء محملقه فى شئ حتى انها لا تستجيب لندائى , اقتربت منها انبهها فرأيت ما حملقت فيه , طفل اسود متفحم يتحرك كلعبه الكترونيه وينظر الينا بحزن وحسره , تسمرت مكانى لم استطع الحراك فنبهنى صوت صديقى التفت اليه وهو ينادى "أنت هنا ولم تنادى على انك وجدتها " فعاودت نظرى فلم اجد الطفل المحترق واخته قد غاب وعيها , حملناها وانا لا يسعفنى لسانى للنطق بأى شئ , احضرنا طبيبا فلم يزد قوله انها حاله اختناق بسبب دخان الحريق , ولكنها افاقت على تشنجات عصبيه وصرخات بأصوات مختلفه , الاطباء تعددوا وكل وصفاتهم مهدئات , فلجأوا الى المعالجين بالقرآن وبغيره من التعويزات , وحضر الى القريه فريق متخصص من العلوم البيولوجيه والكيميائيه وتوصلوا الى ان هذه النيران ناتجه عن غازات من اثر الغرف المغلقه التى يملأها روث الحيوانات .
عدت الى قريتى والى بيتى وانا فى عقلى أن منزل اخت صديقى ليس به غرف حيوانات ولا بيت صديقى وكذلك اغلب بيوت القريه , وأن حاله الصرع لم تشفها المهدئات . وهناك دائما ما هو خارج عن الطبيعه كالسمكه الجنيه ^_^
(قصه حقيقيه )

شارك اصدقائك