03‏/05‏/2012

الخرفان وشيخ الخفر


مع بثوق ضوء الفجر , وتشقق السماء بشعاع الشمس واختفاء النجوم الساهره طيله الليل , وسكون الشوارع وهدوء الحارات , بدأ الفلاحون والعمال الحراك لاراضيهم ومحالهم , والبائعين يفترشون الطرقات لبيع الخضر والفواكهه , ونظره العبس تملأ وجوههم , وغبار النوم لم يغب عن عيونهم , يجرون اقدامهم من فرط التعب والارهاق , يحلمون بمرور يوم دون فرط من الذل والمهانه , احلام تخالطها كوابيس الحصول على لقمه العيش الهنيه , ويتمادون حينا فى مخيلاتهم فيروا مساكنهم تملؤها الانوار ليلا بعد ظلام الغروب .
 تبددت ظلمه الفجر ودبت الحياه فى الشوارع , ومعها شقت ارجل الاحصنه العتيه الطرقات والغبار يملأ المكان خلفها وانتشر الرجال يجمعون ما يقدرون عليه من أتاوات وفواكه وخضروات ويطيحون بالاجساد الواهنه الضعيفه اذا حاولت الاعتراض .
هذا ما يحدث فى صبيحه كل يوم حتى اضناهم الذل , فكان بين الحين والاخرى يخرج "حسان" تاجر الفاكهه الكبير, او"سليمان" شيخ الجامع الذى يتردد كثيرا بحجه ان العمده ولى الامر,او"مهران" الشاب اليتيم الفقير,ولا يلاقوا سوى الزج فى سجن القريه مع الضرب والتعذيب والذل والمهانه , وفى ليله بعد ما خرج مهران ووجد بيته قد احترق ولا يملك المزيد من الكرامه ليسعى خلفه , وقف فى وسط السوق ونادى بأعلى صوته " لقد مللت هذه الحياه , فالموت او الحياه بكرامه " والتف الناس حوله ووقف بجواره "حسان" برجاله الكثيرين ,"وسليمان" اعترض فى البدايه ثم اجتمع على رأيهم, ووقفوا امام دوار العمده الغاشم ولكنه لم يقاوم فالخفر والعسكر يقلوا عن ربع الحشد بقليل , فانهارت سلطه العمده وانهار معها  ستار الظلم والعبوديه .
احتفل الناس  طيله الليل , واجتمع شيخ الخفر "مسعود" بكل من "حسان" و "مهران" و " سليمان" , وتشاجروا من سيقعد على كرسى العمده ومن اولى به.
فهب "مهران" واقفا ليقول " انا من بدأت الوقفه وتخطيت عقبه الخوف وظلمت وسجنت وفقدت منزلى فأنا احق به".
فيقاطعه "حسان" انا صاحب هذا الكرسى فأنا من ارسلت صبيانى ليحموك ووقفت معك ورجالى حموا ظهرك فى الخفاء ثم فى الظهور وحرضت الناس على الخروج.
وكيف لـ "سليمان" ان يظل صامتا " انا اتقاكم واكثركم ورعا وانا الاعلم بدينكم فلا يحق لغيرى ان يقعد على هذا الكرسى , اترضون بغير حكم الله ؟".
بوجه بشوش وابتسامه اخاذه وبهدوء الاجلال والوقار هدأهم شيخ الخفر "مسعود" وبتواضع الرجل الكبير " لاتتنازعوا ياخوانى , اذهبوا فاتفقوا وسأحمى لكم كرسى العمده الى ان تعودوا".
رضى "سليمان" و "حسان" بالامر ولكن مهران شعر بالمكر والدهاء فى كلام شيخ الخفر " مسعود " وكيف يصدقه وقد لاقى شتى انواع العذاب على يديه فهاج وماج وصرخ يمينا ويسارا رافضا مكوث شيخ الخفر ولكن اتهمه سليمان وحسان بالانانيه والسعى لمصلحته الشخصيه , فرجال حسان حرضوا اهالى القريه على تجنبه والابتعاد عنه , وسليمان القى خطبا فى المسجد متفننا فى ذم مهران واتهامه بكره الدين ورجال الدين .
وبراءه شيخ الخفر وحكمته استطاع ان اقنع الجميع ان استقرار القريه بين يديه فهو العالم بحالها ويمتلك العده والعتاد , وعليكم ان تبعدوا رجال الكفر والضلال , والقله المنبوذه الراغبه فى السلطه , فالسلطه يجب ان تقتسموها سويا , حسان رجل الخبره وسليمان رجل الدين.
وفى جنح الظلام ارسل شيخ الخفر رجاله فأحرقوا محال حسان , ودس له اوراق غيرت نظره الناس عنه , وفى اليوم التالى وجدوا امرأه ليل عند سليمان شيخ الجامع كانوا قد ارسلوها له , فاحتقره الناس , وتفرد شيخ الخفر بالكرسى وحب الناس له .
ولم يكن فى الحسبان هذا الشيخ المسن المشهود له بالصلاح القائم فى كوخه اعلى التل ان يهبط منه وسط الحشد والصراعات , ولم يعلموا انه قائم وسطهم منذ بدايه النزاعات , وقف اعلى التل ونادى فى الناس : 
" يأهالى القريه اجتموا , فعندى ما ليس بعلمكم , أما وقد كنت اعتزلتكم بجسدى , ولكنى بينكم بروحى وعقلى , فما رأيت من نزاعكم سوى الفرقه والتعصب الاعمى , واستغلها شيخ الخفر وقواها , لا اعلم كيف تأمنون له وهو من كان يستخدمه العمده لسرقه اموالنا وتعذيب شبابنا وحمايه ممتلكات العمده , فوالله لقد هلكتكم حين ظلمتم "مهران" ولفقتم له الاكاذيب , أنسيتم أفعاله حين كنتم تنامون فى بيوتكم وهو نائم معلق من قدميه , وأنت يا "حسان" غرتك قوتك وقوه رجالك وشعرت بعظمه قولك وفعلك وتغاضيت عما دونك , ارجع لصوابك ورشدك ولا تقع فى ما وقع فيه اجدادك . وأنت يا"سليمان" بأى حق تلقى الاتهامات الكاذبه باسم الدين ومن اعطاك الاذن ان تتحدث باسم الدين وتحكم على هذا وذاك لتصل الى مبتغاك , انسيت كم ترددت كثيرا فى عهد العمده. اخطأتم جميعا حين رضيتم بالجلوس مع شيخ الخفر لتتقاسموا ونسيتم اهل هذه القريه , وما زال امامكم الفرصه فعودوا كما كنتم امام دوار العمده لا فرق بين غنيكم وفقيركم ولا سيدكم ووضيعكم , فليذهب شيخ الخفر مع سيده العمده فهو من اغواكم بالكرسى لتغتصبوا حق "مهران" , واحرق محال "حسان" ليفقده القوه , ودس الفتاه اللعوب فى سرير "سليمان" ليشوه سيرته , ولتتركوا النزاع فالاختيار دون مؤثرات لاهل القريه , ومن تولى العمده فالاخرين سيكونا مستشاريه . اتحدوا يرحمكم الله "

شارك اصدقائك