10‏/02‏/2013

المؤامرة بين الإعجاز والوهم



أتذكر منذ سنوات طويله ومع بداية ظاهرة ما يسمى بالإعجاز العلمى فى القرآن الكريم , ظهر فى الأفق البعيد عبر تليسكوبات وكالة ناسا ثلاثة أجرام سماويه تدور فى مسارات غير منتظمه , وترامى كلاما كثيرا حول إذا ما سيتم إضافتهم ضمن المجموعة الشمسيه وإعتبارهم كواكبا أم ستظل مجرد أجرام سماويه أم كويكبات , ولم ينتظر الدكتور زغلول النجار إتمام البحث حتى يعلن على الملأ أن هذا من الإعجاز العلمى للقرآن الكريم وأن علماء الفلك لم يكتشفوا جديدا والدليل مذكور فى سورة يوسف فى قوله تعالى " إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين " يوسف 4 , بل وتجاهل التعريف العلمى لكلمة كوكب وأستبعد أحد هذه الأجرام وأعلن أن المجموعة الشمسيه أحد عشر كوكبا كما جاء فى نص الآيه ضمنيا , وفى حين أن تفسير الآيه القرآنيه هو أن الأحد العشر كوكبا يقصد بهم إخوة يوسف والشمس والقمر هما أبواه , إلا أنى صدقت قوله وكنت منبهرا كثيرا بكلامه البسيط المنمق , وما زاد انبهارى هو الموضوع ذاته , وشعرت بفخر فوق فخر .
كنت وقتها فى المرحلة الثانويه , بعدها بفترة وجيزة أعلن الإتحاد الفلكى الدولى طبقا للتعريف العلمى لكلمة كوكب وهو " الكوكب جرم سماوى يدور فى مدار حول نجم أو بقايا نجم فى الفضاء , وهو كبير بما يكفى ليصبح شكله مستديرا بفعل قوة جاذبيته ولكنه ليس ضخما بما يكفى لدرجة حدوث إندماج نووى حرارى , ويستطيع أن يخلى مداره من الكواكب الجنينيه ( الكويكبات ) " خروج بلوتو ( الكوكب التاسع ) من المجموعة الشمسية لتصبح ثمانية بدلا من تسع .
بالطبع إختفى زغلول النجار قليلا عن الساحه بعد أن ظهرت محاولاته الفاشله لتطويع النص الذى من المفترض لا يحتاج إلا إكتشاف ليثبت إعجازه .. ليس هذا ما أود الحديث عنه ولكنى حين علمت بخروج بلوتو من المجموعة الشمسية تحدثت مع بعض معارفى من المنتمين لجماعة الأخوان المسلمين والدعوة السلفيه وأذهلنى دفاعهم المستميت  عن أقوال زغلول النجار وبت مصدقا قولهم بأن هناك مؤامرة تحاك ضد الإسلام من زعماء الغرب الكفره , والدليل أن وكالة ناسا والأتحاد الفلكى كلها مؤسسات تابعه للولايات المتحدة الأمريكيه , وكيف لهم أن يظهروا إكتشافا يؤيد الإسلام , وهنا أكد لى أحدهم أن لديه معلومات بأن أكثر من نصف العاملين بناسا أسلموا من كثرة الأكتشافات التى إتضح وجود أدله عليها فى القرآن الكريم .
إيمانى حينها بنظرية المؤامره ضد الإسلام كان من غيرتى على الإسلام والتى تعمقت بكلام الشيوخ على المنابر بدعواتهم المتكرره بإهلاك كل ملة غير الإسلام , وكلام المدرسين فى المدرسه والدعاة على شاشات التلفاز , لم يراودنى شك للحظه فى صدق أى قول أختتم بأن هناك مؤامره ضد الإسلام وأن أهل الكفر يحاربون من أجل منع نشر الدين الحنيف .
ثم تحولت فكرة المؤامره الى أسلوب حياة لكل من أراد الكسب بالمتاجرة بها , فبعد الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ظهر الإعجاز العددى ثم الإعجاز القصصى وأخيرا وليس آخرا الإعجاز السينمائى , ولا أخفى عليكم بأن مثل هذه الأعمال بقدر ما يربح المنادى بها من أموال فإنها تضر بالدين حين يظهر كذب صاحبها أو إنعدام المنطق القائل به .
فبعد أن علمت بأن هناك أسس واضحة للبحث العلمى من المفترض أن يعرفها كل دارس بداية من ملاحظة ثم فرضية ثم تجربة ثم إستنتاج وفى النهاية الحصول على نظرية , عرفت كيف أن أبحاث الإعجاز العلمى الذى تبناها البعض مبنية على فرضيات وليست نظريات , وأن نظرية المؤامره مجرد وهم نعيش فيه , وأن الوضع من بدايته الى نهايته مجرد أطماع سياسيه سواء للغرب او دعاة الزعامة الدينيه , ولكن من تحولت عندهم نظرية المؤامره لأسلوب حياة سيصدقون دائما أن هناك أيادى خفيه خلف كل حادثه , وأن إقتناعهم الأوحد بزعامة من وثقوا فيهم أودت بهم الى تصديق أنهم قادة الإسلام وأن من يعارضهم فهو يعارض الإسلام , ليس هذا وفقط بل ومدعوم من الغرب الكافر سواء كان بالأموال أم بالدعم النفسى , وحتى لو ظهر عكس ذلك بأن أعلن قادة الغرب الكافر دعمهم لقادتهم ضد معارضيهم فستظل دائما فى مخيلتهم نظرية المؤامره والمخططات السريه ضد الإسلام .


شارك اصدقائك