01‏/04‏/2013

من " الحب تحت المطر " الى " خارطة الحب "



فى تلك الليلة حين سألنى صديق وسط كثير من المزاح : هل أنت تقرأ مثلهم تلك الكتب التى تلوث الأفكار ؟ أيقظ ذلك السؤال ينبوع من الماضى كان قد إنطفأ منذ أمد لم أشعر للحظة أنه قد يعود , بكل هدوء أجبته بـ لا وأنا حزين , لم أعلم حينها لماذا ؟ هل لأن هناك من يتميز عنى ولو بقراءة الكتب التى تلوث الأفكار على حد قول صديقى , أم أنا حزين لأنى لم أع ما يقصد بالكتب التى تلوث الأفكار ؟ وكيف تلوثها ؟ .. مكثت لأيام أفكر فى شيئ مجهول لا أستطيع تحديد ملامح له , قادنى الحظ أن أكون قريبا من شخص رشح لى رواية " خارطة الحب " , تلك الرواية التى لم أدفع ثمنا لها سوى خمسة جنيهات , هل تستحق حقا الخمس جنيهات ؟ جلست طيلة اليوم أنظر الى الغلاف ولا أحاول حتى تصفحها من الداخل , تذكرت أول رواية قرأتها فى حياتى , كنت حينها فى الصف الأول الإعدادى , كان لم يزد عقلى حينها معرفة سوى بالقص المصورة وقصص الأنبياء للأطفال , وكثير من القصص التى لم أشعر للحظة ل بالإثارة ولا بالفضول كى أكملها , كلها لا تزيد على البطل الشجاع الذى كان يسمع الكلام صغيرا فتجنب الأذى كبيرا , وأصبح كما كان يرغبه أبوه ( صورة طبق الأصل من الأب مع حزف الأخطاء الخفية ) , كنت أشعر بسذاجة الكاتب وحماقة من يصدقها , حتى أربكنى نص منمق يشعرك دائما بالفضول مع كل سطر , تريد أن تعرف ما سيحدث , إثارة وخيال , ترتسم الشوارع والأحداث بالكلمات , إنها رواية " الحب تحت المطر " للروائى العظيم نجيب محفوظ .. كنت عائدا من مكتب تحفيظ القرآن ووجدت بيتا منهارا وأطفالا كثر تدخل تحمل الكثير من الكتب وتخرج , ويتهامسون بإنبهار كيف سيحصلون على الكثير من المال عندما يبيعونها ( بالكيلو ) فهذه الكتب وزنها ثقيلا , دخلت بدافع الفضول ومن وسط الحطام انتشلت تلك الوريقات المجمعة وخبأتها فى ملابسى كسارق محترف وعدت للبيت خائفا من العقاب على أخذ ما ليس لى متلذذا بفعل الممنوع , ولكن فى الحقيقة هى ليست لأحد فقد استباح الجيران وأطفالهم حرمات بيت لم أعرف صاحبه , وفى نفس الوقت أحببت أن أقرأ من كتب الكبار التى طالما أوجعوا رؤوسنا بها نحن الصغار , وعندما قرأت إسم الكاتب فرحت , لا لشيئ إلا أننى كنت قد درست عنه فى المدرسة وقرأت بعضا عن حياته , كان عظيما بحق , فقد حصل على جائزة نوبل فى الأدب , ما الأدب ؟ لم أكن أعلم حينها , هل كان مؤدبا يسمع الكلام ؟ كان هناك أحد المدرسين الأفاضل من ضمن من كانوا يزرعون أفكارا فى عقولنا بحق أو بغير حق , كان يقول نجيب محفوظ قليل الأدب لذلك أخذ نوبل فى الأدب , أما مدرس التربية الدينية , وبما أنى كنت أزهريا فكان لابد من الصغر بالإهتمام بالتربية الدينية تلقينا وتحفيظا والأستماع جيدا بما يقوله المدرس الذى بات فى ذهنى حينها أنه لا يخطئ , فى تلك الحصة كان يشرح رحلة الهجرة من مكة الى المدينة وقال ان الغار الذى أختبأ فيه النبى محمد وصاحبه أبا بكر كان على نخلة .. نعم قال ذلك , وأن الثعبان حاول أن يلدغ النبى فوق النخلة ولكنه أخطأ .
هذا الرجل سألته عن نجيب محفوظ فقال بكل ثقة إنه كاتب كافر لا يعنيه الدين فى شيئ , يلوث الأفكا ويؤيد الغرب الكافر , حين عدت منزلى فى ذلك اليوم حكيت لوالدى قصة الغار فعرفت كيف يكذب الجاهل , وفى اليوم التالى وبخه أبى أشد توبيخ , عمدت قراءة الرواية الى آخرها , كنت أخبئها كى لا يراها أحد حتى رآها معى عمى , أشتد غيظه وحنقه وثار ثورة لا أعلم لماذا , وحينها قال لى أبى أن مثل تلك الروايات للكبار وعلى أن أنتظر حتى أكبر لأقرأها , وعندما كبرت لم أقرأ كتب الكبار ولا كتب الصغار , حتى كانت " خارطة الحب " للرائة أهداف سويف , هذه الرواية قلبت فى ذهنى العشق والوله , الإصرار والوطنية والسياسة , كنت أقرؤها وأشعر بأنها تنطق ما تعلق بأطراف لسانى , تحركت يدى وقررت أن أكتب , لا أعلم كيف ولكن القراءة فجرت بداخلى أحاسيس كثيرة وبراكين من الأفكار تتزاحم بقلبى حتى أنها لا تعرف الخروج , أحببت القراءة بشره , صرت لا أستطيع الكف عنها , أو حتى أتجاهلها , تحطمت أصنام المسلمات واحدة تلو الأخرى , حين وجدت الإجابة على تساؤلات كانت تؤرقنى , كنت كالأرض الجافة فى شربها للماء , كذلك أصنامى تحطمت .
شكرا لهذا الصديق الذى رشح لى " خارطة الحب " , وما زلت على عهدى به إن كان لى كتاب سيكون الإهداء له .

شارك اصدقائك